تعريف بيير جيلي . أعمال حول الكفايات .
تعريف الكفايات
الكفايات هي قدرات مكتسبة
تسمح بالسلوك و العمل في سياق معين ، ويتكون محتواها من معارف و مهارات و قدرات و
اتجاهات مندمجة بشكل مركب . كما يقوم الفرد الذي اكتسبها ، بإثارتها و تجنيدها و
توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما و حلها في وضعية محددة .
هذا و إذا كان مفهوم الكفايات
ارتبط في بداية ظهوره و انتشاره بمجال التشغيل و المهن و تدبير الموارد البشرية في
الإدارات و المقاولات ، فإننا نقترح أن يتسع هذا المفهوم ليغطي كافة التغيرات التي
ستصيب ليس فقط العمال و المهنيين ( و من بينهم المعلمين ) بل التلاميذ أيضا أثناء
تواجدهم في المدرسة ، بحيث لا يبقى مدخل الكفايات قاصرا على إعداد الأطر المهنية
بما فيها أطر التعليم ، بل ينبغي أن يتحول هذا النموذج إلى أداة لتنظيم المناهج و
تنظيم الممارسات التربوية في المنظومة التعليمية . ذلك أننا نجد أن نفس المبررات
التي يتم اعتمادها عادة في الدعوة إلى تنظيم الكفايات في المجال المهني . تبقى
صالحة لتبرير دعوتنا لاعتماد هذا المدخل في الحقل المدرسي و في إطار علم التدريس ،
خاصة و أن نموذج التدريس الهادف في صيغته السلوكية و الإجرائية أصبح عاجزا الآن عن
حل العديد من المشكلات العالقة في الحقل المدرسي و نخص منها بالذكر صعوبة الأجرأة
( الصياغة الإجرائية للأهداف التربوية ) في العديد من المجالات و كذلك الفصل المصطنع
الذي يتم بين ما هو عقلي و ما هو حركي و بينهما و بين ما هو وجداني في شخصية
المتعلم .
إن التدريس الذي يتأسس على
مدخل الكفايات ، لا بد أن يبلغ مقاصده ، لأنه لا يتناول شخصية التلميذ تناولا
تجزيئيا . إن الكفاية ككيان مركب تفترض الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء
على المستوى العقلي أو الحركي أو الوجداني . إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع
مختلف الصعوبات و المشكلات التي يفرضها محيطه، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال
جزء واحد من شخصيته ، بل بالعكس من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و
العمل و الكينونة هو الكفيل بمنح الفرد القدرة على مواجهة المستجدات و التغلب على
التحديات .
و سنعمل في إطار تعريفنا
للكفايات على تقديم جملة من التعاريف التي كانت تربط هذا المفهوم ببعض الحقول
المعرفية و المهنية ، قبل أن نخلص إلى التعاريف التي بدأت توظف هذا المفهوم في
مجال التدريس .
لكن لا بد من التذكير منذ
البداية بالحقيقة الأساسية التالية :
وجدنا في تحليلنا لمختلف
التعاريف التي قدمت للكفايات ، أنها تتأرجح بشكل عام ، بين الفهم السلوكي (
البيهافيوري Behavioriste ) و الفهم الذهني (
المعرفي Cognitiviste ) .
ذلك أن بعض الأعمال و البحوث
تذهب إلى تعريف الكفاية باعتبارها سلسلة من الأعمال و الأنشطة القابلة للملاحظة ،
أي جملة من السلوكيات النوعية الخاصة ( خارجية وغير شخصية ) و ينتشر هذا التفسير
بالأساس في مجالين :
• التكوين المهني ؛
• و في بعض الكتابات المتعلقة
بنموذج التدريس بواسطة الأهداف .
في حين ينظر إلى الكفاية تارة
أخرى ، كإمكانية أو استعداد داخلي ذهني ، غير مرئي Potentialité invisible من طبيعة ذاتية وشخصية . و تتضمن الكفاية حسب
هذا الفهم و حتى تتجسد و تظهر ، عددا من الانجازات ( الأداءات Performances ) باعتبارها مؤشرات تدل
على حدوث الكفاية لدى المتعلم .
لكن الاتجاه الذي تبنيناه نحن
في دراستنا هذه ، يندرج بشكل عام ضمن هذا المنظور الأخير و الذي يعتبر الكفاية
قدرات عقلية داخلية و من طبيعة ذاتية وشخصية . و سنعمل في العناوين اللاحقة على
استعراض جملة من التعاريف خاصة تلك التي ترفض التقيد بالفهم السلوكي للشخصية و
تستبعد تفسير التعلم و التعليم بردهما إلى قانون "المثير و الاستجابة "
.
و لا بأس أن نشير إلى معنى
الكفاية في لغتنا ، ففي اللغة العربية فإن أهم تعريف للكفاية أو الكفاءة هو الذي
يورده ابن منظور في " لسان العرب " ( دار الجيل ، بيروت ـ المجلد الخامس
ـ ص 269 حيث ذكر:
قول حسان بن ثابت : وروح
القدس ليس له كِفاءُ ،أي جبريل عليه السلام ، ليس له نظير و لا مثيل.
و الكَفىءُ : النظير ، و كذلك
الكفء و المصدر الكفاءة .
و الكُفاة : النظير و المساوي
. يقول تعالي : ((
لم يلد و لم يولد و لم يكن له ، كُفُؤا أحد )) .
و يقال كَفَأْتُ القِدر و
غيرها ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها. الكُفَاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع
كاف ، و كفى الرجل كفاية ، فهو كاف ، إذا قام بالأمر مفهوم الكفاية في علم النفس
الحقيقة أن مفهوم الكفاية مفهوم
جديد على اللغة العلمية ، سواء في علم النفس أو علوم التربية أو في مجال التشغيل و
التسيير و تدبير المقاولات و الموارد البشرية و غيرها من المجالات ، حيث ساد
الحديث عن الإمكانات و الاستعدادات Aptitudes و عن الميول Intérêts و عن سمات الشخصية Traits de personnalité ، على اعتبارها تمثل الخصائص النفسية التي تميز
الأفراد .
لكن شيئا فشيئا بدأ مفهوم
الكفاية يغزو مختلف الحقول العلمية و يحتل تلك المفاهيم أو يكملها و يغنيها .
و في مجال البحث التجريبي في
علم النفس لم يتم الاعتراف بمفهوم الكفاية كمفهوم يمكن أن يخضع للضبط و القياس إلا
في العشرية الأخيرة من القرن المنصرم .
و عند تصفحنا لمختلف القواميس
المختصة في علم النفس ، نجدها لا تخص هذا المفهوم سوى بحصة ضعيفة تكاد لا تذكر . و
هكذا فإننا لا نعثر على كلمة كفاية Compétence في قاموس السيكولوجيا لروبير لافون R . Lafon في حين يقدم المنجد الكبير للسيكولوجيا ، Larousse 1991 معنيين لكلمة كفاية :
المعنى الأول يخص مجال سيكولوجية النمو ، حيث يقد بها مجموع الإمكانات للاستجابات
الأولية تجاه البيئة المحيطة .
في حين يتموضع المعنى الثاني
ما بين علم النفس و اللسانيات و يندرج ضمن علم النفس اللغوي Psycholinguistique ، حيث تعني الكفاية مجموع المعارف اللسنية لدى
المخاطب تمكنه من فهم و إنتاج عدد لا نهائي من الجمل .
أما في مجال الشغالة L'ergonomie ( و هي الدراسة التي تهدف
تنظيم الشغل ) فإننا نجد ديمنطومولان M . de Montemollin أول من كان له الفضل في إدخال هذا المفهوم إلى هذا الميدان (1984)
، حيث اعتقد أنه أصبح من الضروري استعماله ، "إذا رغبنا ليس فقط في الوصف بل
أيضا وربما في الدرجة الأولى التفسير و التحليل ، أي تفسير السلوكيات المهنية
" .
إن أشطة العمال تفترض :
"شيئا ، هو عبارة عن بنية أو بنيات جاهزة و ملائمة لإنجاز بعض المهام"
و في مؤلف جماعي مخصص لنماذج
تحليل وضعيات العمل ، يتساءل لوبلاط J . Leplat : " لماذا إدخال في مجال الأركونومي ( الشغالة ) ، مفهوم
الكفاية ؟ و ما الفائدة المرجوة من وراء ذلك ؟ " .
يعتقد لوبلاط أن مفهوم
الكفاية لا يختلف كثيرا عن بعض المفاهيم القريبة مثل :
المهارة = Habilitéحسن الأداء = Savoir-faireالخبرة = Expertiseالقدرة = Capacité
و يُصرح أن هذه الكلمات عادة
ما يشرح بعضها البعض الآخر و عادة ما يتم استعمال الواحدة منها مكان الأخرى . كما
يميز لوبلاط بين تصورين مختلفين لمفهوم الكفاية :
التصور السلوكي = Behavioriste
التصور المعرفي (الذهني) = Cognitiviste
فإذا كان التصور السلوكي يعرف
الكفاية بواسطة الأعمال و المهام Tâches التي يقدر الفرد على إنجازها ، فإن التصور المعرفي على العكس ،
ينظر إلى الكفاية كإستراتيجية و " نظام من المعارف يمكن من احتواء و تأطير
النشاط " .
و يستنبط لوبلاط للكفاية ثلاث
خصائص :
- الكفايات غائية : إننا
أكفاء لأجل ... إن الكفايات حسب هذه الخاصية ، معارف إجرائية ووظيفية تتجه نحو
العمل و لأجل التطبيق ، إي على اعتبار مدى الاستفادة منها في تحقيق الهدف .
- الكفايات مكتسبة : لأننا
نصير أكفاء ، إن الكفايات تكتسب بالتعلم في المدرسة أو في مكان العمل و غيرهما.
- الكفايات مفهوم افتراضي ـ
مجرد : إن الكفايات داخلية لا يمكن ملاحظتها إلا من خلال نتائجها و تجلياتها و
المؤشرات التي تدل على حصولها ، أي من خلال ما ينجزه الفرد المالك لها .
الكفايات في مجال التربية
وجدنا في تصفحنا لبعض قواميس
التربية ، تفاوتا بينها في إدراجها لمفهوم الكفاية ضمن موادها ، من حيث الأهمية و
من حيث الحيز المخصص لها .
فحسب القاموس التربوي لفولكيي
P . Foulquié -
1971 ، فإن
كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية Competens من الفعل Competer أي : الذهاب - aller - Petere و مع Cum
avec بمعنى
الملاءمة مع و المرافقة . " إن الكفاية هي القدرة capacité سواء القانونية أو المهنية المكتسبة ، لإنجاز
بعض المهام و الوظائف و القيام ببعض الأعمال " .
و في منجد التقويم و البحث
التربوي ، يقدم ج . دولاندشير G . de Landsheere ، تعريف للكفاية ينطلق من المفهوم الذي يقدمه تشومسكي و الذي
يعتبرها " القدرة لدى الأفراد ، على إصدار و فهم جمل جديدة " كما سنرى
بشيء من التفصيل في العنوان القادم . إن الكفاية في الاستعمال التشومسكي تعني
المعرفة الضمنية و الفطرية Inneé التي يمتلكها جميع الأفراد عن لغتهم " إن
النظام المستبطن (المتثمل) للقواعد المتحكمة في هذه اللغة ، يجعل الفرد قادرا على
فهمها و على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل " .
و في قاموس اللغة الذي أشرف
على إنجازه سنة 1979 ، كاستون ميالاري G . Mialaret ، فإن كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية القانونية : Competentia و التي تعني العلاقة الصحيحة Juste rapport . إن الكفاية هي حصيلة
الإمكانية Aptitude أو الاستعداد . في حين أن
القدرة Capacité أو المهارة Habilité تحيل على تأثير الوسط بصفة
عامة و خاصة التأثيرات المدرسية من خلال إنجازات الفرد .
كما يعرف القاموس الموسوعي
للتربية و التكوين ، الكفاية بأنها الخاصية الإيجابية للفرد و التي تشهد بقدرته
على إنجاز بعض المهام . و يقرر بأن الكفايات شديدة التنوع فهناك الكفايات العامة Compétence générales أو الكفايات القابلة
للتحويل Transférables و التي تسهل إنجاز مهام
عديدة و متنوعة . و هناك الكفايات الخاصة أو النوعية Compétences spécifiques و التي لا توظف إلا في في مهام خاصة جدا و محددة
. كما أن هناك كفايات تسهل التعلم و حل المشاكل الجديدة ، في حين تعمل كفايات أخرى
على تسهيل العلاقات الاجتماعية و التفاهم بين الأشخاص . كما أن هناك بعض الكفايات
تمس المعارف في حين تخص غيرها معرفة الأداء أو معرفة حسن السلوك و الكينونة .
مفهوم الكفاية عند تشومسكي و
المنظور المعرفي :
يندرج تعريف تشومسكي N . Chomsky بصفة عامة ، ضمن التيار
المعرفي . إذ يُعرف الكفاية اللغوية " أنها نظام ثابت من المبادئ المولدة
" و التي تُمكن كل واحد منا من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل ذات المعنى في
لغته ، كما تمكنه من التعرف التلقائي على الجمل ، على اعتبار أنها تنتمي إلى هذه
اللغة ، حتى و إن كان غير قادر على معرفة لماذا ، و غير قادر على تقديم تفسير لذلك
.
إن هذه القدرة ، حسب تشومسكي
، غير قابلة للملاحظة الخارجية ، ويكون الشخص خلالها ، عاجزا على ذكر كيف يتمكن من
إنتاج و توليد جمل مفهومة ، و لا كيف يكون بمقدوره فهم جمل ذات دلالة في لغته . و
تتعارض الكفاية بهذا المعنى ، مع الإنجاز أو الأداء Performance و الذي يعني " استعمال اللغة كما نلاحظها
" .
إن ما يُمكِّن المخاطب ـ
المستمع من الكلام و الفهم في لغته ، هو نظام من القواعد المستبطن . كما أن الشخص
الذي يمتلك لغة يكون قد استدخل نظام القواعد الذي يحدد الشكل الصواتي للجملة و
أيضا محتواها الدلالي الخاص : إن هذا الشخص طور ما يمكن تسميته كفاية لغوية خاصة .
و هذه الكفاية اللغوية يمكن أن تصير نموذجا لكل الكفايات في مختلف المجالات . كما
يصبح الفهم التشومسكي للكفاية أداة لنقد الاتجاه السلوكي ، إن المتعلم يكتسب اللغة
بفضل الاشراط ، أي بواسطة سلسلة من الاستجابات للمنبهات ، فإنه لن يمتلك سوى عدد
محدود من الصياغات ، و لن يكون بمقدوره تكرار سوى الصياغات التي سبق له سماعها و
تعلمها . في حين أننا ، نلاحظ على العكس من ذلك ، أن كل متكلم قادر على إنتاج في
لغته ، صياغات لم يسبق له سماعها . و هكذا نقول عنه إن لديه كفاية ، أي لديه معرفة
إجرائية (عملية) بالبنيات اللغوية . إن هذه الكفاية هي التي تمكن المستمع من
القدرة على القول بشكل فوري ، ما إذا كانت هذه الجملة التي يسمعها لأول مرة صحيحة
لغويا أم لا ، حتى و إن لم يكن بمقدوره ذكر السبب .
و هكذا فإن الكفاية اللغوية
التي يتحدث عنها تشومسكي ليست سلوكا . إنها مجموعة من القواعد التي تسير و توجه
السلوكات اللغوية ، دون أن تكون قابلة للملاحظة و لا يمكن للفرد الوعي بها .
إن تشومسكي يعـطي للكـفاية
بعدا جديدا . إذ يعتبرها ملكة " الانسجام و التلاؤم " ( ونضيف نحن
الاندماج ) ، إنها تسمح بأن تصير الكلمات منسجمة و متلائمة حسب كل وضعية . و هكذا
فالكفاية تكمن مع تشومسكي في التوافق مع جميع الوضعيات إنها الاستعداد لحسن
الدراية و المعرفة .
و لم يكن تشومسكي وحيدا في إدراجه
مفهوم الكفاية في التصور الذهني و المعرفي ، على عكس ما يفعل السلوكيون ، فقد قام
العديد من الباحثين و من مجالات مختلفة ، بذلك و لعل في مقدمتهم بعض المهتمين
بالتدريس الهادف ، و الذين انخرطوا في هذا التوجه أي التوجه الذهني المعرفي .
و منهم كانيي Gagné على سبيل المثال و الذي نظر إلى التعلم ،
انطلاقا من نظرية معالجة المعلومات . على الرغم من كون مفهوم القدرة الذي يستعمله
، يختلف تماما عن مفهوم الكفاية لدى تشومسكي ، لأن كانيي يعتبرها أمرا مكتسبا و
ليس فطريا . لكن و من بين الخمسة مراقي التي يحددها في نموذجه حول التعلم ، فإن
المهارة الفكرية و الاستراتيجيات المعرفية و الاتجاهات ، هي بالأساس عمليات ذهنية
داخلية .
كما يصنف لوي دينو D'hainaut . و الذي يبتعد عن التفسير
السلوكي ، الهدف في المجال المعرفي ، على اعتبار أننا نعمل من خلاله على جعل
التلميذ قادرا على إنجاز عمل عقلي ـ معرفي و بهذا يبتعد دينو في مجال التربية و
التعليم عن السلوكيين من أمثال ماجر . إن كل من كانيي و دينو و هاملين و غيرهم ،
يُدرجُون تصورهم في إطار السيكولوجية المعرفية على عكس ماجر و من نحا نحوه . إذ
يتعلق الأمر بالنسبة إليهم بالتساؤل عما يوجد بين المنبه و الاستجابة ، أي أننا من
الضروري أن نفتح " العلبة السوداء " لنكشف عن العمليات العقلية وراء
السلوك . وهكذا فعلى العكس من الذين ينظرون إلى الكفايات على أنها سلوكيات ، فإن
هؤلاء يتصورونها بشكل يجعل منها أمرا داخليا و غير مرئي ، لذلك يمكن إدراج تصورهم
كما أسلفنا ، في إطار المدرسة المعرفية في السيكولوجيا ، ذلك التصور الذي سيمنح
توجها خاصا لنموذج التدريس الهادف ، حيث سيجعله يبتعد عن الانغلاق في النظرة
السلوكية و يتجنب بالتالي الانتقادات التي تتهمه بالتروع نحو التجزيئي و الآلية و
السطحية .
الكفاية وظيفة وليست سلوكا .
يعتقد راي B . Rey 1998 أن نموذج التدريس الهادف ،
خاصة لدى بعض رواده ممن تبنوا التصور السلوكي ، يختزل التَّعَلُّمَات ( مكتسبات
التلاميذ ) في العمل على تحقيق سلسلة من الأهداف السلوكية ، التي تقود إلى تجزيء
بل إلى تفتيت النشاط إلى الحد الذي يصبح التلميذ معه عاجزا عن تبيان ما هو بصدده ،
ومن الصعب عليه معرفة مغزى نشاطه . إن هذه الترعة نحو التجزيء و التفكيك تجعل من
الصعب على المقوم مثلا ، القول بأن مجموع السلوكات المكتسبة يحقق الغاية المرجوة و
التي كان من المفروض أن تشكلها . فإذا قلنا مثلا إن على التلميذ لكي يكتسب مهارة
الكتابة ، أن يتعلم الهدف رقم 1 و بعده الهدف رقم 2 ثم الهدف رقم 3 ... الخ ، فهل
يشكل مجموع هذه الأهداف الجزئية الغاية المرجوة و هل يعي التلميذ مغزى تحقق هذه
الأهداف السلوكية الجزئية و هل يتكون لديه إدراك واضح لذلك ؟
إن السلوك الملاحظ هو في
نهاية الأمر ، سلوك إنساني و بالتالي يكون من الضروري الاعتراف له بقدر من المعنى
و المغزى و القصدية . و إلا ما الفرق بين سلوك الإنسان و عمل الماكينة؟
إن التعرف على السلوك ، لا
يعني فقط تعداد التغيرات الجسمية التي تحدث لدى المتعلم . بل إن التعرف عليه يعنى
أساسا التعرف عليه باعتباره سلوكا منظما و منسقا حول نشاط معين . و هكذا نرى أن
مفهوم السلوك ، يعني أن يتضمن شكلا من أشكال الغائية و أن يندرج مفهوم الكفاية
بدوره و كذلك مفهوم الهدف العام ، في هذا السياق .
بطبيعة الحال فإن المتحمس
لنموذج التدريس بالأهداف خاصة في جانبه السلوكي ، محق عندما يشكك في إدخال مفهوم
الغائية في الاعتبار ، لأن هذا المفهوم يمكن أن يسرب إلى العلاقة بين المدرس و
التلاميذ بل إلى النشاط التربوي برمته ، أبعادا ضمنية و غامضة و يؤدي بالتالي إلى
الضبابية و العشوائية . لكن المؤكد هو أن سلوك التلميذ لكي يكون مفهوما و يكون
قابلا للملاحظة ، لا بد من تناوله بقدر من الوظيفية .
إن ما ينبغي أخذه بعين
الاعتبار في موضوع الكفايات ، ليس السلوك كانعكاس (رد فعل) عضلي و غذي و حسي حركي
كما يراه السلوكيون ، بل السلوك كنشاط ـ و مهام ذات مغزى . لذلك يعرف فيفيان دولاندشير
V . de
Landsheere
الكفاية بكونها " تعبير عن القدرة على إنجاز مهمة معينة بشكل مرض"
إن الكفاية سلوك يمكن التعبير
عنه بأنشطة قابلة للملاحظة ، لكنها أنشطة تتجمع و تندمج في عمل مفيد و ذي مغزى ، و
هكذا فإن الوظيفة العملية (التطبيقية) هي التي تغدو حاسمة في الموضوع .
"إن الكفايات تشكل مجموعات مهيكلة تتفاعل عناصرها و تتداخل
مكوناتها و تنتظم حسب تسلسل معين ، للاستجابة لمقتضيات الأنشطة التي ينبغي إنجازها
" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق